القائمة الرئيسية

الصفحات

يوميات طبيب في السرايا الصفراء - الجزء الأول


الجزء الأول :

يوميات طبيب في السرايا الصفراءهي أول رواية أكتبها .

الأهداء

إلى أجمل شيء في حياتي

زوجتي الغالية

أبنائي الأحبة

تمهيد

في حياة الأطباء كثير من المواقف المثيرة ، والحكايات الطريفة أثناء الممارسة الطبية .

  • حكايات عن المرضى .
  • حكايات مع الزملاء الأطباء .
  • حكايات في الأماكن .

 وهذه بعض الحكايات .

                                                 الفصل الأول

 

تحت الشجرة

"مستشفى المجانين".. "السرايا الصفرا".. "المرستان".. "اسبتالية المجاذيب" " مستشفى العباسية للصحة النفسية"، أسماء عديدة أطلقت على هذا المكان .

مستشفى الصحة النفسية بالعباسية

أقف أمام بابه الحديدي مترددا قلقا ومتلهفا ، بضع خطوات فقط تفصلني عن هذا العالم المجهول ، وبخطوات ثقيلة تكاد تثبتني بالأرض أقدم قدمي اليمنى وأؤخر اليسرى ، يسترجع العقل كل ما رسخته الموروثات المجتمعية والدراما في الصورة الذهنية لهذا المكان ، فنحن لا نعلم عنه سوى أنه ذلك المكان الذي يعالج فيه المجانين.

اقتربت من كشك الأمن ، برز لي رجل أسمر اللون يتدلى كرشه حتى ركبته . أخرجت كارنيه نقابة الأطباء معرفا بنفسى .

سألته عن مبنى الإدارة ، ضيق عينيه مدققا فيً قبل أن يشير إليه بيده المتسخة ببقايا طعام وغبار الكرسي الجالس عليه .

توجهت إلى المبنى أتلفت يميناً وشمالاً ، بنايات من دور واحد يرجع بعضها لأكثر من مائة عام ، أحواض الزهور على شكل مربعات تمتد على جانبي المدخل ، صفراء ، بنفسجية ، حمراء ، يتوسطها حوض على شكل مثلث من الزهور البيضاء ، أشجار الكافور الطويلة على جانبي الطريق ، أوراقها تخرفش وتوشوش بنغم مبهم غامض ، ترابط عليها أسراب أبو قردان وجماعات من الغربان ، بعض القطط تحوم بشكل فضولي حول صناديق القمامة ، ومجموعة من العصافير تنقر الأرض بحثا عن طعام ما ، أحست بوقع أقدامي فطار بعضها إلى مكان آخر، أسراب من النمل تهرع مبتعدة على البلاط البني الذي يغطي الممر حتى لاتدهسها قدمي ، بعض المرضى يسيرون في الطرقات بأجسام هزيلة ونظرات شاخصة ، وآخرون يفترشون الأرض ، صعدت السلالم بتؤدة وهدوء ، أعد الدرجات درجة تلو الدرجة متجنبا الاستناد على السور ، محاذرا تلوث ثيابي .

دخلت مباشرة إلى مكتب مدير المستشفى ، رفع رأسه عن بعض الأوراق أمامه ، أسند ظهره على كرسيه الجلدي الأسود ونظر إلىً من خلف نظارة طبية ،  سلمته خطاب تكليفي بالعمل بالمستشفى لمدة أربعة أشهر تمهيداً لحصولي على الترقية لدرجة أعلى في السلم الوظيفي .

أشر على الخطاب لشؤون الموظفين لإكمال اللازم وأعاده إلى مع ابتسامة انتزعها من بين أسنانه الصفراء من السجائر والقهوة .

خرجت من الغرفة مسرعاً قبل أن يلاحظ الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجهي ، لاستحضار الذاكرة مشهد الفنان عبد المنعم إبراهيم مع زينات صدقي في مستشفى المجانين ،عندما كانت تظنه أحد أطباء المستشفى فاكتشفت أنه أحد المرضى ، في نصفه الأعلى وقور ببدلة ولكنه في النصف الأسفل لا يرتدي إلا الشورت!

 أنهيت الإجراءات الروتينية لتسلم العمل ، وسألت الموظف مستفسرا ً :

-       إلى أين أذهب ؟

-        تحت الشجرة !

وأكملت موظفة بجواره بصوت عذب : ياوهيبة ... لما كلنا برتقان .

فقلت : صحيح ... ما احنا في مستشفى المجانين .

-       ماتزعلش يادكتور ..الدكاترة هناك تحت الشجرة ، ونظر من نافذة خلفه وأشار بيده إلى شجرة تين بنغالي ضخمة .

ضحكت بمرارة وقلت : شكراً ... أستاذ محمد رشدي ، مش كده برضه !

تين بنغالي

وانطلقت مهرولا قبل أن أسمع موالاً جديداً ، وصدى ضحكات الموظفين يتردد من خلفي في جنبات المبنى العتيق .

هناك تحت الشجرة كانت ترابيزة من الخيزران ، تأكل لحائها بتأثير الشمس وقلة العناية بها . عليها ترمس الشاي وبعض الكؤوس الزجاجية وبقايا من البقسماط ، وحولها ثلاثة أطباء.

للقاء الأول سحره الخاص ...غموض ... ترقب ... توجس ... ترحيب ... محاولة استكشاف الآخر ، وبتعارف مني أتبعه تعارف منهم  ، استطعت أن أكون فكرة مبدئية عن الأطباء الذين سأرافقهم أربعة أشهر .

دكتورة فريدة البهنساوي : على مشارف الأربعينات ، بشرتها بيضاء مشربة بحمرة خفيفة ، شعرها أحمر بلون النحاس ، ليس على وجهها كثير من المساحيق ، تجلس واضعة ساقا على ساق ، متأنقة في ملابسها ، تتكلم بأنفة وكبرياء ، تنتقي كلماتها ، حاصلة على الماجستير وتحلم بتسجيل الدكتوراة ، حفيدة لأحد باشوات ماقبل الثورة ، متزوجة من ضابط شرطة ، تعمل بالمستشفى منذ عشرة أعوام .

دكتورة دعاء عادل : ابنة العشرينات ، حديثة التخرج ، هادئة التقاسيم والملامح ، ذات ابتسامة واثقة مرحة ، تغطي عينيها بنظارة طبية أنيقة ، محجبة بسيطة في ملبسها  ، قليلة الكلمات ، تعمل بالمستشفى منذ عامين .

دكتور حماد المتولي : يبدو على وجهه المتجهم أنه في الخمسينات من عمره ، حاد الملامح ، يطلق لحيته وشاربه، غزا الشيب شعره كله ، من تحت شاربه الكث غير المشذب تخرج كميات هائلة من الدخان أكثر بكثير من التي يجتذبها تباعا من السيجارة التي لاتكاد تظهر بين أصابعه ، يحتسي القهوة باستمتاع من كوب زجاجي ، كثير التلفت والإيماءة برأسه، تخرج الكلمات من فمه كطلقات رصاص ، لاينظر لمن يتحدث إليه ، عيناه مصوبة للفراغ حوله أو للسماء ، حاصل على دبلوم طب نفسي بعد مشوار طويل من الإخفاق والتعثر، مضى على تواجده بالمستشفى خمسة عشر عاما ، غير متزوج ، يمضي معظم وقته في غرفته بسكن الأطباء .

انتظروا الجزء الثاني..

  اقرأ ايضا رواية يوميات طبيب في السرايا الصفراء 

تعليقات

التنقل السريع