مقدمة.
يروي كتاب حياة طبيب، مسيرة
حياة رائد طب النساء والولادة في مصر، الدكتور نجيب
ميخائيل محفوظ، راصداً نجاحاته وإخفاقاته وجملة من معايشاته.. وما
صادفه من عقبات ومصاعب، وما أفاد من خبرة وتجريب، وتناول الكثير من معاناة الطبيب
المصري في تلك الحقبة المبكرة في القرن العشرين.
ولقد وصفه عميد الأدب العربي طه حسين في مقدمة الكتاب بقوله:
هذا كتاب ممتع على أقصى غايات الإمتاع، فيه ألوان من الفائدة لا تكاد تحصى، فيه العبرة وفيه الموعظة، وفيه أسوة للشباب.
![]() |
| د.نجيب محفوظ |
التعريف بالدكتور نجيب محفوظ؟
- ولد الدكتور نجيب محفوظ في المنصورة في يوم 5 يناير عام
1882م وكانت وفاته في يوم 25 يوليو عام 1974م عن عمر يناهز 92 عاما.
- كان أول عهده بالتعليم مدرسة الأمريكان، ثم تركها والتحق بالمدرسة الحكومية لتكون أول خطوة في الطريق إلى الغرض الذي رسمه لنفسه وهو دخول مدرسة الطب، وحصل على البكالوريا وكان ترتيبه التاسع عشر على القطر المصري.
- والتحق بمدرسة طب القصر العيني في عام 1898م، وهي السنة التي حدث فيها انقلاب كبير في تاريخ المدرسة وفي مستشفاها المعروف بمستشفى القصر العيني، وهو تحول التدريس من اللغة العربية الى اللغة الإنجليزية.
وكانت مدرسة الطب قد خلت من الأساتذة الأكفاء إما بالوفاة أو ببلوغ سن المعاش، واحتل مساعدوهم كراسي الأستاذية، والمؤسف أن عددا كبيرا منهم لم يستطيعوا متابعة ماجد من المكتشفات.
وتلقى نجيب محفوظ تعليمه وتدريبه على أيدي الأساتذة الأوروبيين، فيصف هذه المرحلة بأنها بدء حياة شاقة، ولكنها محببة في الوقت نفسه.
ويذكر الدكتور نجيب محفوظ قصة مريض شخصه الأستاذ على أنه (ألم بلوري في الجانب الأيسر) وعندما فحصه نجيب لاحظ أن النبض في اليد اليسرى ضعيف كل الضعف، يكاد لا يحس، وفي اليد اليمنى قوى، وكذلك حدقة العين اليسرى بالغة الضيق، بخلاف حدقة العين اليمنى، فذهب إلى مكتبة المدرسة.
فعثر على كتاب اسمه (أهمية الأعراض في تشخيص المرضThe value of symptoms in making a diagnosis)، ووجد أنه إذا اجتمع اختلاف الحدقة في عيني المريض وقوة النبض في الساعدين فإن المريض فالأغلب مصابا بأنيورزم في الأورطي المستعرض.
فلما أبدى رأيه أمام أستاذ القسم سخر منه وأخذ عليه زملاؤه أنه راجع الأستاذ، وفي نفس اليوم توفى المريض، وبعد تشريح الجثة تبين أنه كان مصابا بأنيورزم في الأورطي المستعرض.
مزالق الأخلاق.
وخصص دكتور نجيب محفوظ في الكتاب فصلا عن مزالق الأخلاق وسلوك الشباب أثناء الحياة التعليمية في مدرسة الطب وفي مستشفى القصر العيني.
ذكر فيه بعض السلوكيات الشائنة بين الطلبة وطالبات مدرسة التمريض، ولكنه ذكر فيه أنه لا يبغي به شنعة، ولا تسوء سمعة، وإنما أقصد إلى اثنتين:
- الأولى أن أرسم ملامح صادقة لمجتمعنا في تلك الحقبة الماضية.
- والأخرى أن يتبين الشباب عاقبة العبث والغواية وثمرة الجد والاستقامة.
عسى أن يكون في ذلك لهم
عظة صالحة، وذكر تنفع.
وأرجع سبب أن قدماه لم تزلقا في هذا السبيل إلى أنه كان يضع نصب عينيه نصيحة والدته، فكثيرا ما كانت تقول له:
إياك يا نجيب حين تكبر أن تمشي في الطريق المعوج، وحاسب من الهفوة الأولى، واعلم أن الفارق بين الطريق المستقيم والطريق الأعوج شعرة لا تكاد ترى في أول الأمر، ومع التمادي في الطريق الأعوج ستجد نفسك قد سقطت السقطة التي لا تقوم منها.
مشاركة د.نجيب محفوظ في مكافحة وباء الكوليرا.
- في شهر يونيو من عام 1902م وهو وقت التخرج المنتظر، كانت مصر على موعد مع وباء الكوليرا القاتل وهو ما أجل موعد التخرج عدة شهور.
- تم تجنيد طلبة الطب المصريين للمساهمة في مكافحة هذا الوباء الخطير، وكان الدور الموكل لنجيب محفوظ هو الكشف عن الحالات الواردة إلى القاهرة من خلال محطة السكة الحديد الرئيسية.
- ولكن نجيب محفوظ طلب نقل خدمته إلى أشد مناطق الوباء وهي قرية موشا الواقعة بجوار مدينة أسيوط بصعيد مصر وتمت الموافقة على طلبه.
- سافر نجيب محفوظ إلى موشا ونجح فيما فشل فيه أساطين الصحة العامة الإنجليز بعد أن قام بتعقب حالات الكوليرا واكتشاف المصدر الرئيسي للوباء وكان بئرا ملوثا داخل منزل أحد الفلاحين.
وهي قصة طريفة تبدأ بتفشي الكوليرا بين الحجاج في مكة في مستهل سنة 1902، فلما عاد الحجاج الى مصر حجزوا في معازل الحجر الصحي بسيناء، واتخذت احتياطات دقيقة، ولكنها لم تمنع تسرب الكوليرا.
فقد ظهرت في قرية من قرى الصعيد، تسمى موشا، وكان من بين الحجاج الذين عادوا عمدة بلدة موشا، وقد جلب معه عشر صفائح مملوءة بماء زمزم.
وكانت زمزم في هذا العام قد لحقها مكروب الكوليرا، ولم يفطن إلى ذلك هو أو أطباء الحجر فأذنوا له بنقل صفائح الماء معه،وهي محتوية رواسب عضوية تقوتت بها ميكروبات الوباء.
ولما وصل العمدة إلى البلدة وزع الصفائح على أهله ومحبيه، فصبوه في آبارهم للتبرك به ، وماهي الا أن ظهرت بينهم الكوليرا تحصدهم حصدا.
وعندما وصل نجيب
الى قرية موشا بناء على طلبه، قابل الدكتور جودمان وهو إنجليزي الجنسية، الذي فار
غضبا بعد أن علم أنه قادم لمقاومة الوباء وقال له: طلبت طبيبا مدربا، فجيء لي بشاب
لم يتخرج بعد.
ثم قال: إن في
القرية بئرا موبوءة هي العلة في استمرار الإصابات ولم نستطيع العثور عليها بالرغم
مما بذلناه من البحوث.
فقال نجيب: سا
أحاول أن أفعل شيئا.
فبدا بمسجد
القرية بعد صلاة الجمعة وألقى على الناس كلمة وأفهمهم أن الكوليرا التي أودت بكثير
من أعزاءهم بين رجال ونساء وأطفال سببها الى أن مياه بعض الأبار تلوثت بالميكروب.
فإذا طهرنا الآبار انقشع الوباء.
وقام برسم خريطة للقرية وراجع قائمة الوفيات وتواريخها ووضع نقطة سوداء عند كل منزل حدثت فيه وفاة.
فاستبان له أن معظم الوفيات حدثت في المنازل المجاورة لبئر كبيرة،كان أصحابها
يستقون منها في السر، ويعيدون تخبئتها بعد أن ينالوا حاجتهم من الماء كل يوم.
وبعد فحص الماء وجده عامرا بمكروب الكوليرا، فقاموا بتطهر البئر وردمها، فلم يمض أسبوع حتى
انقطعت الإصابات
وامتدت بعد ذلك جهوده
في مكافحة هذا الوباء للعديد من المدن منها مدينة ديروط ومدينة حلوان والإسكندرية.
تخرج نجيب محفوظ من مدرسة الطب.
تخرج نجيب محفوظ من مدرسة قصر العيني الطبية في أواخر عام 1902م، وكان أول الناجحين، وتم تكليفه بالعمل في أحد مستشفيات مدينة السويس ويصف بداية عمله قائلا:
- بدأت العمل بالمستشفى، فلاحظت أنه لا تكتب للمرضى مشاهدات، ولا يدون سير المريض في أوراق المشاهدات، فقمت بسد النقص، ولاحظت أيضا ان تغييرات العلاج تؤدي شفويان فقمت بتدوينها في تذاكر المرضى أولا بأول.
- ولاحظ بعد شهر من عمله بالمستشفى أن المرضى بالرمد لا يعالجون بالمستشفى على الأطلاق مع أنه مستشفى عام، فطلب من مدير المستشفى ان يخصص يومين في الأسبوع لعيادة خارجية رمدية على أن يتولى هو فحص المرضى والعلاج، فأذن له، ولم يمض أسبوع حتى اشتد الإقبال على العيادة.
- ثم انتقل للعمل في مكتب الصحة بمركز تلا ووصف كيف كان الكاتب والمعاون يأخذون أموالا من المرضى نظير التلاعب في التقارير الطبية فرفض المشاركة في ذلك.
- ثم انتقل الى العمل بمكتب صحة باب الشعرية ووصف مكاتب الصحة بانها كانت في ذلك العهد تمرح بها فوضى ضاربة الأطناب وذكر ما صادفه من الغرائب مثل ترخيص محلات البوظة التي تديرها المومسات وذلك نظير الرشاوى، فأمضى أيامه على كره حتى ترك العمل بعد سنة.
سر تخصصه في أمراض النساء والولادة.
ذكر دكتور نجيب
محفوظ أنه عندما كان في الإسكندرية طلب منه طبيب زميل له مساعدته في حالة ولادة،
فسر بذلك لأنه لم يشاهد حالة ولادة طبيعية أو متعسرة من قبل.
حاول الطبيب
ومساعدوه ولادة السيدة بالجفت فلم يوفقوا، واستمرت محاولة جذب الرأس ساعتين بلا جدوى،
وبحثوا عن قدم الجنين وجذبوها فخرج جسم الجنين دون الرأس، فلبثوا يجذبون الجسم حتى
انفصل عند العنق وبقي الرأس في الرحم.
فاستقر الرأي على
إرسال السيدة الى المستشفى الحكومي، ولما سألهم نجيب: لماذا لا يدعون طبيبا مختصا بالولادة،
فأجابوا: بأنه ليس بين أطباء الإسكندرية الوطنيين أو الأجانب من هو اختصاصي في
الولادة. وماتت السيدة وفي بطنها رأس الجنين.
كانت لهذه
الحادثة أسوأ الوقع عليه، وكانت صورة الجنين المقطوع الرأس تتراءى أمامه لا يستطيع
أن يزيحها عن عينه.
فتضرع الى الله أن يوفقه لأن يخصص حياته لإنقاذ السيدات المتعسرات في الولادة.
عودة للقصر العيني.
عاد نجيب محفوظ إلى القصر العيني، ليبدأ حياته العملية، حيث ألحقته مصلحة الصحة بوظيفة طبيب " مبنج" أي طبيب تخدير.
وقبل تلك الوظيفة رافضا
منصب الطبيب الأول في مستشفى بني سويف، ولما سئل عن سبب قبوله قال: حتى يكون على
اتصال بأساتذته في مدرسة الطب فيزداد علما وخبرة وذلك خير من أن يدفن في مصلحة
الصحة.
وبعد فترة اقترح
على كيتنج ناظر مدرسة الطب انشاء عيادة خارجية لأمراض النساء مدة شهرين على سبيل
التجربة، فما أن انقضى الشهران حتى اكتظت العيادة بالوافدات عليها من المريضات.
وهنأه كيتنج
قائلا إنك وفقت أكبر التوفيق فيما أخفق فيه غيرك في إنشاء قسم للولادة وأمراض
النساء بمستشفى قصر العيني، وكلفه بتدريس أمراض النساء والولادة.
وكان لهذا أثر عميق في مجرى حياته فتم إضافة عنبرين كاملين إليها وأشرف نجيب محفوظ على إجراء الولادات المتعسرة فيها وفي منازل المواطنين.
ووصل عدد حالات الولادة المتعسرة
التي أجراها في منازل المواطنين إلى ما يفوق الألفي حالة، كما أنه قد بلغت الحالات
التي أجرى لها الدكتور نجيب محفوظ عملية الولادة أو أشرف عليها حوالي 25 ألف حالة.
حوادث طريفة في حياة دكتور نجيب محفوظ.
جراحات إصلاح الناسور المهبلي.
وخلال مشواره حقق نجيب محفوظ شهرة
عالمية مدوية في مجال جراحات إصلاح الناسور المهبلي بأنواعه المختلفة وليتم عرض
عملياته في مستشفيات عدة جامعات عالمية منها مستشفيات جامعات لندن وأوكسفورد
وأدنبره وجنوة ولوزان ويفد إلى القصر العيني جراحو أوروبا لمشاهدة هذا النوع من
العمليات ويتم إطلاق اسمه على عمليتين من عمليات علاج النواسير في النساء.
ويذكر الدكتور نجيب حادثة طريفة حدثت له حيث كان قد قرر السفر الى أوربا ، وفي الليلة السابقة للسفر سمع جلبة بباب القاعة التي كان يجلس فيها مع بعض زملاؤه ،فقام يستوضح السبب.
فرأى امرأة مريضة تفوح منها الرائحة الكريهة التي تصعد من المصابات بالنواسير البولية ،وعلم أنها من أهل قنا وقد أصيبت على أثر الولادة بناسور بولي، وأجريت لها ثلاث جراحات دون جدوى.
فقيل لها اذهبي للقاهرة عند نجيب محفوظ ، فقطعت المرأة الطريق مشيا على قدميها حتى وصلت للمنيا فذهبت للمستشفى الأميري فقيل لها اذهبي عند نجيب محفوظ في القصر العيني فواصلت سيرها أربعة أشهر، حتى بلغت باب القصر العيني.
فلما سالت البواب عنه ،قال لها أنه مسافر غدا، فوقت تندب بختها وجعلت تنتحب حتى سقطت على الأرض مغمى عليها.
فحملها على نقالة وأدخلها قسم الحريم
واستدعى الحكيمة ولما فحصها وجدها صالحة للعملية فطلب تحضيرها للجراحة غدا ،فأجل
سفره أسبوعين لإجراء الجراحة لهذه السيدة المسكينة .
فلما تم الشفاء لها طلبت من الحكيمة أن يدلوها على الحكيم اللي عمل لها العملية علشان تقول له كتر خيرك.
فقالت لها الحكيمة: ما هو اللي يبيفوت عليك كل يوم فقالت: بقي هو الشاب الصغير اللي شنبه لسه ما خطش، انتو فاكريني عبيطة، فأكدوا لها ذلك.
فلما جاءها في
اليوم التالي: قالت له ما اسم الكريم؟ فقال: نجيب، فقالت: وما اسم والدتك؟ فقال:
مريم فقالت: روح يا نجيب يا ابن مريم ربنا يكافئك عني، حا أدعي لك دعوة مستجابة ان
شاء الله " ربنا يجعل في وشك جوهرة، وفي فمك سكرة".
قيراط بخت ولا فدان شطارة.
يذكر الدكتور نجيب حادثة أخرى : أنه بعد أن اشتهر عنه مهارته في علاج العقم، حضرت الى عيادته سيدة تقدمت بها السن مصطحبة زوجها.
وعلم أن السيدة تجاوزت سن اليأس منذ سبع سنوات، وانقطعت عنها عادة النساء، ولكنها ترجو أن يتيسر لها الحمل على يديه.
فأفهمها في لطف أنه لا ينتظر الحمل بعد انقطاع الحيض لهذه المدة الطويلة، فقالت إن الشافي هو الله، لا بأس أن تعطيني الدواء ".
فوصف لها علاجا وبعد سنة
استدعاه أحد الأطباء لحالة ولادة متعسرة ، وكانت المفاجأة إنها هي السيدة التي التي كانت زارته من قبل .
دكتور نجيب محفوظ والعمل الحر.
بدأ د. نجيب محفوظ العمل في ميدان العمل الحر بحكمة قالها له زميله الجراح على باشا إبراهيم وهي :
الجو قاتم يا محفوظ وعلينا ان نشق طريقنا بأيدنا، وإلا ضعنا
ففي العهد الذي
تخرجوا فيه، لم يكن المصري يثق بأخيه المصري، أو يؤمن بكفايته في العمل، وكان
الطبيب الأجنبي موثوقا به، ينظر إليه بعين الاحترام، مهما تكن درجته من الكفاية،
مادامت جنسيته غير مصرية.
ويذكر أنه قصد يوما مصلحة الصحة ليستخرج تصريحا لمزاولة العمل الحر، وجلس عند مدير المصلحة، فدخل عليهم رجل يوناني بصحبة الساعي الرسمي لقنصلية اليونان وطلب تصريحا بالعمل وقدم شهادة من جامعة أمريكية محترمة.
فأجلسه المدير وشرع يكلمه بالإنجليزية فإذا هو لا يفهم كلمة واحدة فامتنع من إعطاء التصريح وأيقن أن الشهادة مزورة.
وعلم دكتور نجيب بعد ذلك أن
القنصلية اليونانية تدخلت في الأمر، واضطرت مصلحة الصحة أن تعطي التصريح للرجل على
الرغم من يقينها أنه ليس بطبيب يطمان إليه.
سر تدهور سمعة الطبيب المصري.
وكما أنه ذكر أن السبب الرئيسي لتدهور سمعة الطبيب المصري.
- أنه لما أسست مدرسة الطب سنة 1827 كانت هناك عقبة كبيرة، هي لغة التعليم، فالأساتذة كلهم أجانب، فلم يكن بد من الاستعانة بالمترجمين ليقوموا بإلقاء المحاضرات باللغة العربية.
- وقد تكون من هؤلاء الطلبة نواة من العلماء أرسلوا في بعثات علمية الى فرنسا ورجعوا منها وقد نالوا من العلم حظا وافرا،.
- وكانت مدة الدراسة ست سنوات، وظهرت عشرات الكتب الطبية باللغة العربية، ولكن معظمها لم يتعد الطبعة الأولى.
- وتخرج في المدرسة أفواج الأطباء خلال سبعين سنة، ولكن عدد النوابغ من الأطباء أخذ يتناقص على الأيام ، منهم من يتوفى ومنهم من يبلغ سن التقاعد ، ولم يخلفهم من يستطيع الاضطلاع بمهمة التعليم ، لانقطاع البعثات العلمية.
- لم يكن المتخرجون يتقنون لغة اجنبية تتيح لهم أن يتابعوا التقدم العلمي ، فانحدرت المدرسة وقل فيها عدد الطلبة حتى كاد أمرها ينتهي إلى الإغلاق.
وكانت القاهرة
والإسكندرية خاليتين تماما من المستشفيات الأهلية،على حين كانت الجاليات كلها
تتمتع بامتياز كبير، هو أنه كان لمعظمها مستشفيات عظيمة يدريها أطباء أجانب. فكان
هناك المستشفى الفرنسي والإيطالي واليوناني والألماني والنمساوي (كتنشر فيما بعد).
فلجا هو والدكتور إبراهيم فهمي المنياوي والدكتور إسكندر فهمي إلى الجمعية الخيرية القبطية وبينا لها النقص الذي يعانيه المرضى المصريون.
فقامت الجمعية ببناء المستشفى القبطي،
وبعد بعدة سنوات ظهرت مستشفيات وطنية أخرى مثل المواساة بالإسكندرية ومستشفى الجمعية
الخيرية الإسلامية بالعجوزة.
انجازات الدكتور نجيب محفوظ.
انشاء مستشفيات الولادة وأقسام رعاية الاطفال.
ذكر الدكتور نجيب كيف تم انشاء أول مستشفى للولادة ملحق بالقصر العيني بعد خمسة عشرة سنة من عمله.
حيث بدأ بافتتاح مراكز لتوليد الحوامل في منازلهن في باب الشعرية وبولاق. وتعرض الأطباء
المولدون للسرقة من خلال استدراجهم من قبل اللصوص وكذلك لمحاولات نصب.
وجدير بالذكر أن إحدى
عمليات الولادات المتعسرة التي أجراها الدكتور نجيب محفوظ في عام 1911م أسفرت عن
ولادة طفل حمل نفس اسم الطبيب وهو الأديب صاحب جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ.
عندما تم استدعاؤه لإجراء هذه العملية كانت والدة الأديب نجيب محفوظ تواجه ولادة متعسرة وفى ذلك الوقت كانت القابلات هن من يقمن بالولادات.
ولكن مع مخاوف فقدان الجنين ذهب بنفسه لمنزل عبد العزيز إبراهيم والد الأديب نجيب محفوظ بحي الجمالية بالقرب من شارع المعز.
وكان توقيت الولادة في منتصف الليل وبعد وقت طويل من المحاولات تمت الولادة
بسلام وعند هذه اللحظة اتفق أهل الطفل على تسمية المولود باسمه لفرحتهم بهذا الحدث
ليصبح اسم المولود نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم.
تأثيث متحف نجيب محفوظ .
قام في عام 1930م بتأسيس متحف نجيب محفوظ لعينات النساء والولادة والذي حوى أكثر من 3000 عينة قيمة تم جمعها من عملياته في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا.
وهذه العينات عبارة عن حالات
مرضية لأجنة كانت بها تشوهات أو عيوب خلقية وغيرها من المشكلات أو حالات مرضية
نادرة للأرحام.
إصدار اطلس محفوظ .
كما قام نجيب محفوظ أيضا بإصدار أطلس محفوظ لأمراض النساء والولادة بعد عناء شديد ، ونال عنه نيشان المعارف من الطبقة الأولى، وجائزة الدولة للعلم في سنة 1950، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم .
وختاما.
لا يمكن ان يكتمل عرض هذا الكتاب القيم إلا بالتذكير بما همس به الدكتور نجيب لأبنائه طلبة الطب قائلا:
أود أن أهمس في آذان أبنائي من شباب
الجيل ببعض ما آمنت بانه أساسا النجاح في العمل والسعادة في الحياة.
نصيحتي لهم:
- أن يلتزموا الصدق مع أنفسهم قبل الصدق مع الناس، فلا يحاولوا تبرير عمل خاطئ بإقناع أنفسهم بأنهم على صواب، وأقوى ضروب الشجاعة هي سجاعة المرء في مواجهة خطئه، والاعتراف به، ومحاولة إصلاحه.
- وعليهم أن يعملوا جاهدين، ولا يهنوا في سلوك الطريق المستقيم مهما يلقوا من مشقة وعنت، وليقاموا كل ما يصادفهم من المغريات ومزالق الاخلاق، وليعفوا عن التعرض لكل ما يخدش الشرف ويذهب الكرامة.
- ولكي يكونوا نماذج رفيعة للخدمة والتضحية والمحبة، لابد أن يعملوا في هدوء وتواضع، ويحاذروا أن يكون هدفهم فيما يؤدون من مهمات إحراز شهرة أو تصيد مواقف رنانة، فإن النجاح القائم على الشهرة الزائفة والتهريج المصنوع نجاح كاذب لا ترضى به النفوس الكريمة.
- ولي كلمة أقولها للذين وصلوا بجهادهم إلى ما صبوا اليه من منزلة عالية، تلك هي أن يحذروا الغرور الذي يفسد عليهم ما أصابه من فوز، فما من صفة يتعرض صاحبها للمقت أدهى من صفة الغرور.
وبعد انتهائك من كتاب حياة طبيب ستدرك
معنى الحكمة التي صدر الدكتور نجيب محفوظ بها كتابه حياة طبيب وهي:
إذا لم تكن قد أعطيت الناس "نفسك"، فأنت لم تعطهم شيئا.



تعليقات
إرسال تعليق